Jun 29, 2012

مش زيها زيّك!


مش فاهم الحرب الشعواء اللي قامت ضد السلسلة البشرية اللي شكلها شابات وشباب في عمان قبل أيام رفعت فيها يافطات ضد التحرش الجنسي وقانون 308 العبقري. لما يكون في ولد في الصف بتزعرن عالكل بعدين يجي واحد ويلطشه كف ويسمعو كلمتين، بتكون ردة فعله متوقعة، وهي خليط ما بين الإنكار والدفاع عن النفس، وهذا اللي صار، فجأة تحول المجتمع الأردني (بناءً على التعليقات والتغطية اللي شفتها) تحوّل لمجتمع مثالي لتعيش فيه المرأة! هذا هو الإنكار. أمّا الدفاع عن النفس، فكون القضايا اللي طرحوها الشباب في الشارع صعب حدا يرد عليها، لإنها مطالب منطقية ولا تخالف لا دين ولا منطق، تم تجاهل محتوى الرسالة (أو في أحسن الحالات الموافقة عليها باستحياء) وتم التركيز على أمور هامشية مثل حامل الرسالة أو أسلوب الرسالة (اللي تقييمها رح يختلف من شخص لآخر) لأنها الباب الوحيد لأفضل وسيلة للدفاع؛ الهجوم. خلاصته وبدون الخوض بأمثلة، مضحك كيف أن القضية نفسها لم يتم نقاشها، بل تم التركيز على انتقاد المبادرة والناس اللي مشاركين فيها وطريقة صياغة الشعارات المرفوعة، وكأن كل المشاكل انحلّت وما ضل علينا نحكي بغير أشكال الناس، وشو لابسين، وليش كاتبين همزة الوصل همزة قطع!
أعزائي سكان كوكب الأرض، والله بطلعلهم يعبرو بأقسى العبارات وعلى كيفهم، وما بطلعلك تحاسبهم، ليش.. قلتلي ليش.. لإنو البنت أو المرأة عنا بتعاني فوق ما ممكن تتصوّر، نعم عنا النساء بدرسوا وبشتغلوا وبروحوا وبيجوا، إحنا مش أفغانستان ولا السعودية، بس تفكرش إنو هيك الوضع تمام، وبالمناسبة، تفكرش إنو الوضع تمام عند "الأجانب"، اللي لازم نتفهمه إنو هاي مشكلة موجودة بكل العالم، يعني ما حدش بقارن التحرش في الأردن بالتحرش في بريطانيا، كله في تحرّش، ولما الواحد بينتقد قضية مثل التفرقة في العمل أو المضايقات في العمل ضد المرأة في الأردن، ما بيعني إنو هو مفكر أمريكا ولا السويد هي جنة الله على الأرض، بس كل واحد معني بنفسه ومجتمعه.. اتفقنا إذن إنو الموضوع مش هجوم لا عالأردن ولا عالأردنيين ولا العرب ولا المسلمين؟!
بس على سيرة الأردن والعرب والمسلمين، خليني أنبهك على كم شغلة أنا شخصياً مثلاً ما كنت مدركها، والواحد بتعلم كل يوم وبوسّع مداركه كل يوم ومش غلط أدرك إنو بعض تصرفاتي مؤذية لغيري وأغيّرها، الملامة ليست شخصية، أنا بلوم مجتمع ونظام كامل بخلينا نفكر ببعض الأمور كمسلّمات أو "عادي"، وهي فعلياً مش عادي، وجزء كبير (إذا مش الجزء الأكبر) من هذا الاعتقاد هو غلطة البنات والنساء أنفسهم، بمعنى إنهم بيتقبلو هذا الوضع كما هو، ومش بس هيك، بشاركو في هالمنظومة السيئة التي تقمع وتحجّم وتسخر من النساء فيما بينهم، ومع شباب أو رجال آخرين.
يعني موضوع البسبسة والتعليق في الشارع بضايق البنت وبإذيها وبشعرها بعدم الأمان أو الراحة أكثر من ما بتتخيّل، دوروا على فيلم داليا الكوري "إحذر أمامك تعليق" وخود فكرة، بس الأخطر من هيك هو المنطق اللي بتعامل فيه الشب اللي بعلّق عالبنت، باختصار الموضوع بالنسبة إلو عبارة عن حق مشروع وما في مشكلة، فكّر فيها، شو اللي بدفع شب يسمّع البنت كلمة لولا إنو بعتبر الموضوع حقه؟ حتى لو كانت شو ما لابسة أو محجبة أو مجلببة أو منقبة! بالنسبة إلو في عقله الموضوع "عادي". مش بس التعليق على بنت في الشارع يعتبر عادي، ومش بس طبقة معيّنة غير متعلّمة أو فئة اجتماعية أو جغرافية معيّنة بتتعامل بهذا المنطق، حتى الشباب اللي طلعو ودرسوا برا مثلاً وشافو الدنيا وطول عمرهم بحكو مع بنات والموضوع بالنسبة إلهم مش "كل ممنوع مرغوب" ولا كبت، وممكن يكون بشتغل بشركة محترمة، بتلاقيه بيعتبر إنو حقو يصفر لزميلته في العمل (حتى لو مزح) أو يرمي تعليق على شكلها إذا كانت مسشورة مثلاً، ولا لابسة أواعي جداد، بعلّق هيك علانية وبوجهّا، كإنو طبيعي جداً إنو يرمي هيك تعليق على زميلته، وبتلاقي الناس ما عندها مشكلة بالموضوع، ومرات البنت نفسها ما عندها مشكلة بالموضوع، وبنظري هذا يعود لأحد سببين، إمّا إنها مبسوطة عالاهتمام، أو إنها ما بدها تبيّن "معقدة" و"بتستحملش مزح"، مع إنو التعليق بحد ذاتو – بالنسبة إلي – ممكن يكون إطراء عادي وممكن يكون إطراء + ريالة، الإطراء العادي بحسو إشي طبيعي وصحي وما في مشاكل والطرفين بحبوه، أمّا الإطراء + ريالة اللي بتصير البنت فيه كتلة من اللحم الشهي (بيجي عادة مع صفيرة طويلة) فهذا غير مقبول، ومش لازم يكون مقبول أولاً من البنات أنفسهم، وثانياً من باقي الشباب والمجتمع، وين أنا بنفصم؟ لما شب قدامي يريّل ويحكي كلمة لبنت وعنيه خلص اخترقوا أواعيها وهو بحكي وهي يا بتطنّش يا بتتفاعل بإيجابية معه! ليش؟!

البنت بتعاني، والله بتعاني، بتعاني بأشياء إنتا كشاب ما بتخطر على بالك، بتعرف لما تكون تايه بسيارتك في غياهب وادي السير مثلاً ولاّ في منطقة مقطوعة وبكون خفان عقلك؟! أو تكون ماشي بشارع لحالك عالـ 2 بالليل وتشوف شلة سكرجية وتقعد تفكر كيف بدها تعدي الليلة على خير؟ أو إذا كنت يا سيدي بتخاف من الكلاب (عفواً، فش زلمة بخاف من الكلاب، كلنا زلام وهيك تعلّمنا) ولكن فرضاً إنك طلعت زلمة "بتحبش" الكلاب وشفتلك كم كلب موقفين بنص الشارع وانتا لحالك مش عارف تمشي لقدام ولا تمشي لورا.. شفت هاي المواقف؟ بتعرف هذا الشعور؟ شعور إنك في وضع غير آمن؟ غير متأكد شو اللي رح يصير؟ حواسك كلّها شغالة دبل تيربو والأدرنالين شمط لمستويات عالية؟ البنت لما تكون ماشية بعز دين النهار وتمرق من جمب أربع أو خمس شباب وواحد يزتلها كلمة أو صفيرة أو شو ما كان، بتوقّع هيك بكون شعورها، ماشية ومش عارفة شو اللي جاييها من ورا، كمان كلمة؟ "مسكة"؟ هجوم رباعي؟ رح يلحقوها بسيارة؟ طب هي أكيد بتفكر إنها جسدياً خسرانة المعركة في حال حبت تدافع عن حالها قدام شب ولا اثنين ولا أكثر، واجتماعياً خسرانة أم المعركة إذا وقفت وبهدلتو، ممكن حد "يفزعلها" وممكن لأ، وبكلا الحالتين إذا وقفت وبهدلت، الناس بتصير تتطلّع عليها بطريقة عجيبة، إنو عيب اللي عملته! شوف عاد إنتا مثلاً بنت بتطلع بتكسي ولا بسرفيس وبتروح على رغدان عشان تروح على جامعتها بالزرقا مثلاً، كم كلمة وكم تعليق وكم مرة بتمر بهذا الشعور (واحنا لسا بنحكي بالنهار!) فما بالك باللي بتغلط وبتمشي بالشارع بالليل لسبب أو لآخر! قس على ذلك، قديش البنت بتتغلب لما بدها تشتغل، دائماً في مقارنة بينها وبين الشب (ما في مشكلة بمقارنة الكفاءة) المشكلة إنو المقارنة بتبدأ والشب متقدم عليها بمراحل، لمجرد إنو شب! أضف إلى ذلك يا رعاك الله لو ما كانت هاي البنت مثلاً فائقة الجمال، بتتغلّب كمان شوي أكثر، أضف إلى ذلك يا رعاك الله، مثلاً مثلاً ولا سمح الله، لو البنت بتحكي بلهجة غير عمّانية، أو خلينا نحكي بتحكيش بالـ (آآآ) بتحكي بالـ (جااا) .. شوف هالحزينة في أغلب الأحيان قديش رح تتغلّب، وبعد ما تلاقي شغل، وتوصل الشغل وهي سامعة ميت كلمة، بتكمل بزملاء العمل اللي بختصروها بآلة تفريخ أولاد وتفريغ كبت جنسي.


فيا جماعة الخير، الأولى بدل ما نعلّق على شكل البنات اللي طلعو يطالبو بمحاربة ظاهرة التحرش، خلينا نعلّق على أنفسنا ونراجع أنفسنا ونربي ولادنا صح ونحاول كلنا نلغي هالمنطق من حياتنا، لإنو كلنا ولاد مرأة، أمنا، بنحبها وبنحترمها ولما حدا يسب عليها دمنا بفور وبنصير بدنا نقتله، وكلنا عنا أخوات بنحبهم وبنقدرهم وبنصير معهم حنونين وعطوفين ومتفهمين وبنرجع أطفال وإحنا قاعدين معهم، ما حدا بحب لوالدته أو أخته إنها تعاني، وما حدا بحب زوجته أو زوجته المستقبلية إنها تعاني وتتضايق، كل واحد يبلّش بحالو، لما تشوف صاحبك زت كلمة فرجيه وفهمه إنك مش "أوكيه" مع اللي عمله، والله العظيم ليستحي ويحس حالو حشرة، إذا إنت بتسكت وبتمشّي وبتشارك، وإذا إنتي كبنت بتسكتي وبتمشّي وبتشاركي، رح نضلنا محلّك سر، ونسبياً مع العالم رح نكون بنرجع للخلف.
نهاية، في ضوء المعطيات السابقة، المرأة على الأغلب عندها إرادة وقدرة أكثر بكثير من كثير شباب لتعيش وتنتج وتكون إيجابية في مجتمع بحجّمها وبأطّرها وبقمعها اجتماعياً وعلى مستوى القوانين الرسمية والاجتماعية. إذن في المبدأ، نعم زيّها زيّك، أمّا في هذا الوضع، بتوقّع إنها بتتفوّق.
 http://naserz.blogspot.com