Jul 3, 2012

ذخيرة للسلام .. ذخيرة للعار

في لحظات خرائية جداً كنت أنتظر فيها دخول الحمام، طالعت على هاتفي خبراً على هآرتز جابني كتاف... التالي هو ترجمة المقال التي لربما تحتوي بعض الأخطاء الإملائية، لكن صدقاً بعد كل فقرة قمت ودخنت سيجارة ثم عدت! الموضوع بيرفع الضغط.. أكثر من العادة.. هل حان وقت المصالحة؟ هل انتهت كل مشاكلنا وما ضل علينا غير نطوي صفحة الماضي؟! هل جفّت دماء شهداء الجيش العربي البواسل؟!؟! هل جفّت؟؟!؟ هل خرج معتقلونا من السجون الإسرائيلية؟! هل عشنا في سبات ونبات وتزاوجنا من بعضنا وخلفنا جيلاً لا يعرف عن الحرب والاحتلال إلاّ أساطير الأوّلين؟ هل حدث كل ذلك لكي لا يبقى أمامنا أن نفعل إلاّ ما ستقرأوه؟! .. أجيبوني!! قبل أن تفكر بالإجابة أو تقرأ المقال، تعرّف على معركة تلّ الذخيرة من أبطال المعركة في هذا اللقاء التي أجرته صحيفة الدستور فيعام 2008 (

 أو لا تفعل .. في كلا الحالتين راسك رح ينقلب! لا أدري ما الذي آلمني أكثر، حقيقة أن هذا الأمر حصل، أم الطريقة التي كتب فيها المقال، أم ... صراحة مش عارف أعبّر.. مش قادر! لا يسعني ان أقول إلاّ:
المجد دائماً وأبداً للشهداء فقط



صحيفة هآرتز. 3/7/2012
العنوان/ إسرائيليون وأردنيّون: ذخيرة للسلام
الخبر/
شهدت العلاقات الإسرائيلية العربية حدثاً تاريخياً الأسبوع المنصرم: جنود إسرائيليون وأردنيون مخضرمون (سابقون) قاتلوا بعضهم البعض قبل 45 عاماً قاموا بزيارة مشتركة لمواقع قتالهم في القدس، مكرّمين بذلك ومخلّدين رفاقهم الراحلين.
في اليوم الثاني من حرب عام 1967، سيطر المظليّون الإسرائيليون على "تل الذخيرة" في القدس، والذي كان تحت سيطرة سريّتَي مشاة أردنيّتين. وبعد أربع ساعات من القتال المرير، تمت السيطرة على التلّة بعد سقوط 36 إسرائيلياً و71 أردنياً، وجرح العشرات على كلا الجانبين. الجنود الإسرائيليون المتأثرون بشجاعة وصلابة خصومهم، قاموا بعمل لافتة تكريمية غير مخطط لها، ثبّتت على رأس بنقدية أردنية وكتب عليها: "جيش إسرائيل، آي دي إف: مدفون هنا 17 جندياً أردنياً شجعان. 7 حزيران 1967". وقد أصبحت معركة تل الذخيرة منذ ذلك اليوم معلماً شهيراً لحروب إسرائيل.
في حزيران من هذا العام، بعد 45 عاماً، زار ضباط أردنيّون شاركوا في المعركة من أجل القدس مواقع القتال، بصحبة أعداء الأمس. هذه الزيارة التي امتدت ليومين وتمت برعاية مؤسسة فريدريش إيبرت وبتنظيم من منظمة التعاون الاقتصادي الإسرائيلية (إي سي إف) ومركز عمّان للسلام والتطوير (إيه سي بي بي) في الأردن، تضمّنت لقاءات بين قادة عسكريين سابقين من الجانبين الإسرائيلي والأردني، وزيارات مشتركة لمواقع المعارك، وحفل تأبيني على تلّة الذخيرة.
رافقتُ المجموعة خلال اليوم الأول من الزيارة. لقد كان المنظر مذهلاً. محاربون قتلوا وأرسلوا جنودهم ليدمّروا ويموتوا كانوا يجلسون في حلقة واحدة، مستمتعين، يستذكرون أحداث معاركهم. ضابط أردني التحق في الجيش بعد أن قُتل والده في معارك عام 1956، صُعق عندما اكتشف أن الضابط الإسرائيلي الذي يجلس قبالته هو الضابط الذي أمر بالضربة العسكرية التي أودت بحياة والده. اقترح الأردنيّون على صديقهم ممازحين بأن يأخذوا بثأرهم من والد الضابط الإسرائيلي، أو أن يتم صلح عشائري بين العائلتين. ترجمتُ ما قالوه للعبرية وأنا مدرك لسريالية النقاش الدائر. تابع الضابط الأردني حديثه شارحاً كيف أنه خدع الإسرائيليين الذين اعتقلوه بأن عرّف عن نفسه كـ "معلّم في الجيش". بعد شهر من اعتقاله، أراه الجنود الإسرائيليون صورة له في أحد ألبومات الكليّة الحربية، ناعتينه بـ "الأسير الأردني الأكثر عناداً" على مرّ الحروب.
هذا الجو اللطيف تغيّر بشكل دراماتيكي عند وصولنا لتلّة الذخيرة للقيام بمراسم حفل التأبين الفريد.
الشاعر القومي "حاييم غوري"، القائد في معارك 1967، قرأ قصيدته الشهيرة والمأثرة "هير لاي أور باديز"، وقد تبِعته بقراءة مترجمة للقصيدة بالعربية كنت قد حضّرتها قبل يوم. قرأتُ الكلمات المأثرة "ها هي أجسادنا جاثمة"، ليحول الأعداء على وقعها إلى أصدقاء، يحاربون دموعهم حزناً على الأرواح الشابة التي أزهقت بغض النظر عن جنسيتها. قائد الفرقة العسكرية التي دافعت عن التلّة قرأ أسماء الجنود الأردنيين الذين سقطوا، تبعه نائب قائد الكتيبة الإسرائيلية التي هاجمت التلّة والذي قرأ أسماء الجنود الإسرائيليين الذين سقطوا. لقد كان حفل التأبين المشترك الأول من نوعه على الإطلاق الذي يُقرأ فيه أسماء الجنود الإسرائيليين والعرب الذين سقطوا في القتال تباعاً. من وحي قصيدة "غوري" أقول، لوهلة من الزمن، عاد الجنود الصامتون من الكتيبتين الإسرائيلية والأردنيّة للحياة، محدقين ببعضهم البعض بصمت للمرة الأخيرة من خلال عيون عائلاتهم وأخوانهم في السلاح.
دبّت الحماسة في المجموعة الصغيرة عندما أعطى الإسرائيليون الأردنيون صورة كبيرة للافتة التكريمية التي صنعها الجنود في حزيران من عام 1967. لحظة انتهاء المراسم، تحلّق المظليّون الإسرائيليون السابقون حول القادة الأردنيين، وطلبوا منّي أن أترجم. قُل له: لربما كنّا أسوداً، لكنهم كانوا نموراً! قل له أنّني لم أشهد حفل تأبين مثيراً كهذا في حياتي! قل له أنّنا لم نلتقي خصوماً بتلك الصلابة قط! وفجأة، هز المظلّي الإسرائيلي والقائد الأردني رأسيهما غير مصدقَين أنهما عاركا بعضهما البعض بأيديهما العارية في الحفرة التي يقفون فوقها. حثّني القائدة الأردني المنفعل: قل لهم أن أولئك الذين حاربوا بعضهم البعض بهذه الطريقة فقط يمكنهم أن يفهموا المعنى الحقيقي للسلام.
غادرنا المكان مع غروب الشمس، فيما بقيت كلمات المظلّي السابق تدور في رأسي: قل له لو أن كل الإسرائيليين الموجودين هنا هم كل الإسرائيليين، ولو أن الأردنيين الموجودين هنا هم كل العرب، لكنّا قد وصلنا إلى سلام شامل منذ وقت طويل. ترجمت ذلك للقائد الأردني، وللحظة عابرة فكّرت: لربما هو على حق.
http://naserz.blogspot.com